بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم حنعيش مع اسم الله الكريم ونحيا بالكريم. معنى الكريم: جاء اسم الكريم في القرآن ثلاث مرات: مرتان منهما بمعني ( كريم) في قوله تعالى:" يا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" (الانفطار: 6)، " ...وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" (النمل:40)، والمرة الثالثة " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}" (العلق: 1-5)
ما معنى الكرم؟ مفهوم الناس عن الكرم محدود ومختزل في مفهوم العطاء لكن الكرم في اللغة العربية أكبر وأشمل في مفهومه من ذلك، فهو اسم جامع لكل ما يُحمد الله عليه. فكل الصفات الحميدة تقع تحت لواء الكريم، فقد سميت الأخلاق في الإسلام بمكارم الأخلاق. فكل صفة جامعة للخير والنفع المتعدد تسمى في اللغة: كرم، فعلى سبيل المثال: الشهامة كرم والشجاعة كرم، والعنب لما به من العديد من المنافع يسمى كَرْم، كذا القرآن سمي بالكريم لما به من خير، أي أنه اسم جامع لكل ما يُحمد الله عليه لكل الخير بمعنى أن اسم الكريم يشمل كل أسماء الله الحسنى، فمن كرمه أنه رزاق ووهاب يعطيك الهدايا دون طلب ففي الحديث النبوي: ( إن الله حييٌ كريم يستحي أن يرفع العبد يديه ثم يردهما صفرا خائبتين)، جاء إلى النبي أعرابي يسأله: من سيحاسب الخلق يوم القيامة؟ فقال النبي: الله. فقال الرجل: إن الكريم ذا قبل عفا، فهو كريم في عفوه.
الفرق بين الأكرم والكريم: الله هو الأكرم والفرق بين الكريم والأكرم أنه ما من أحد مثله، كريم في ذاته وعطائه ( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس دونك شيء) فباسم الكريم تتذكر كل أسماء الله الحسنى. كما أن الكريم يبدأ بالإحسان إليك وهو لا يمن عليك بعد العطاء ولا يخيب أملك، فمن الممكن أن تلجأ لرجل كريم إلا إنه يعتذر عن مساعدتك ولكن الكريم لا يخيب رجاك
فلأن الله كريم فهو الذي قدم إليك ليلة القدر بينما لم تطلبها أنت منه. هل بدأ اسم الكريم يصل إلى قلبك؟ فالكريم إذا اعتُذر له يقبل فهذا من صفات الكريم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس أحد أحب إليه العذر من الله) فهو يقبل أعذارك حتى لو استسخفتها أنت. فهو كريم في جلاله، هل اشتقت إلى حبه ؟ كل ما ذكرته للآن هو المعنى العام. 2. المعنى الخاص: لمن هذا الكرم الخاص؟ لك أنت، فأنت أغلى مخلوق، قال تعالى: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..." (الاسراء:70)، فقد كرمك بأن سوَّاك، وقال: " يا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" (الانفطار:6) فعدل جسدك وجعله غير منحني كبقية المخلوقات لذلك فنحن نقول ( ربنا ولك الحمد) عند الرفع من الركوع، فلولا أن الله عدل لك ظهرك، لكنت تشرب اللبن والماء كالقطة فتكوين مفاصلك وتكوين يديك يسمح لك بالاعتدال وأن تمسك بكوب الماء بيديك فقد خُلقت على أحسن صورة. لذلك جعلك آخر المخلوقات فقد خلق القلم أولا ثم باقي المخلوقات، وعندما أُعدت الأرض لاستقبالك خلقك لتخلفه فيها وتصلح فأنت غالٍ عند الله، فلا تُهن نفسك فقد قال تعالى على لسان الملائكة: "... أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 30) فقال تعالى: "... إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " فالعبرة ليست بالكَمّ - كم المؤمنين- ولكن بالكيف. فالأنبياء ومن يريدون التقرب إلى الله والشباب الذي يريد الإصلاح مهما كانوا قلة ففيهم الخير فهم أغلى وأكرم البرية "... أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ" (البينة: 7) ومن دلائل غلوك على الله أنه أسجد لك ملائكته، وطرد إبليس من الجنة لرفضه السجود لك، فقد كرمك بأن نفخ فيك من روحه، وسواك، وأسجد لك الملائكة. عندما أقسم الله بأطهر ثلاث أماكن في الأرض " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ{1} وَطُورِ سِينِينَ{2} وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ{3} لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{4} ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ{5}(التين:1- 5) " ما معنى هذا الدعاء؟ وما علاقة التين والزيتون بجبل الطور الذي نزل عليه الوحي على سيدنا موسى وعلاقة ذلك بمكة؟! فالتين والزيتون ليس المقصود بهما الطعام ولكنهما رمز لمكان. فقد أقسم بفلسطين والطور ومكة فهو يقسم بأطهر ثلاثة أماكن على وجه الأرض بأنه خلقنا في أحسن خلقة - كرمك بخلقك في هيئة جميلة- ولكن عندما أهنت نفسك "...ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ " سورة التين. كما كرمك الله بأ خلقك من ماء وتراب، لماذا لأنهما أطهر عنصري الكون، والمعنى أنك أنقى وأطهر مخلوق يا بني آدم فلا تُنجس نظافتك بالمعاصي ونفاق رؤسائك. لا تُهن نفسك. ذلك هو المعنى الخاص للكريم. فأنت خلاصة الخلق، فالله قد اختصر الكون فيك كما اختصر القرآن في الفاتحة. هذه الحلقة مهما لما بعد رمضان، فمن المعاني الخاصة بالكريم – أيضا- أنه خلق فيك – كما يقول علماء النفس- ثلاث غرائز : الطعام والشراب- الجنس – تقدير الذات فغريزة ( تقدير الذات) جعلها الله سياجا لك يحميك به من شهوتي الطعام والجنس حتى تحتفظ باحترامك لذاتك " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " ولما أهان نفسه " ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ". لأننا خلفاء الله في الأرض، لابد أن نكون مترفعين عن الصغائر والشهوات. هل وصل المعنى؟ هل تحب الكريم الذي غرز فيك تقدير الذات؟ أقول لك ذلك لأنك عندما تقع في الخطأ تسقط نفسك من عينيك، لذلك سُميت الكبائر كذلك – في بعض الأقوال- لأنها أكثر الأشياء فيها إهانة لنفسك، فمثلا عندما كنت في أوروبا كان كل الناس في أيام السبت سكارى فترى من يتقيأ في الشارع، أو من يتبول في الطريق دون أن يشعر، فهذا الوضع مهين، من هنا تشعر أن الكريم قد كرمك بألا تفعل هذه الكبيرة حتى لا تهين نفسك. فبالله عليكم، أقسمت عليكم أن من يعيش على إهانة يوقفها فورا، فلا تقبل إهانة نفسك لأنك محترم يا عبد الكريم، هذا هو هدف الحلقة لا تُهن نفسك بمعصية أو نفاق حتى لو لم يعلم أحد بمعصيتك فكفى بك عليك شهيدا، فتسقط من نظر نفسك، فتقع أسير التشكك في أي نظرة من الآخرين خوفا من الفضيحة فيصدق عليك قوله تعالى واصفا المنافقين: "... يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَة عليهمٍ..." (المنافقون:4)...لا تُهن نفسك. هل نتواعد على هذا المعنى؟ فحلقة اليوم لا تخاطب العاطفة، ولكنها ترجوك أن ( تحترم ذاتك). ولقد جعل الله لك التوبة ليكرمك بها، وجعل لك اسمه الغفور ليحافظ لك على سياج تقدير الذات يا عبد الكريم. وإذا وجدك لا تأبه فضَحَكَ فضحا يسيرا، وكلٌّ منا يخشى الفضيحة ، ولأقُرّب المعنى لكم نضرب مثالا بالدواء ، فالطبيب يصف من الدواء مئة جرام فإن لم يستجب الجسم يزيد خمسمائة إلخ، وهكذا يفعل الكريم فإن لم تأبه بالفضيحة اليسيرة ولم ترجع زاد عليك نسبة أخرى لعلك تعود إليه وترجع عن إهانة ذاتك. أريدك أن تنتبه إلى أن الإهانة هي معركتك مع الشيطان الذي قال لله عز وجل: "... أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" (صّ: 76)، " قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً..." (الأعراف:18) . فالشيطان يريد أن يثبت أنه خير منك، فقال: " ...لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً" (الاسراء:62) وأحتنكن جاءت من الحنك أي أن الشيطان سيلجمك ويسوقك كالبهائم ، وبالتالي ستهان أمام نفسك، فقد كرمك الله بإخلافك إياه في الأرض والإصلاح فيها وأنت لا تُصلح ولكن تهين نفسك أيضا! فأنت عندما تعصي بمجرد إشارة من الشيطان لتفعل، فيقول تعالى: " وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" (سـبأ:20) أترضى ذلك لنفسك؟ فعندما تنظر لشيء محرّم تذكر اسم الله الكريم. أريد أن أنبهك بألا تهين نفسك ولا تهين غيرك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:( من عيَّرَ أخاه بذنبٍ لم يمت حتى يفعل) استروا الناس حتى لا يفقدوا كرامتهم أمام أنفسهم وأمامكم، فمن يُهين نفسه له عذاب مهين، فقد حكى عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ( يحشرون في أمثال الذر – أي النمل- يدوسهم الناس بأقدامهم يوم القيامة) فهو أهان نفسه في الدنيا فأهانه الله يوم القيامة. فكل أسماء الله الحسنى من كرمه. لا تُهن نفسك – خاصة بعد رمضان- تُرى هل سيصدق عليك قول إبليس أم خلعت اللجام؟ الواجب العملي إذاً: لا تُهن نفسك، أكرِم الناس بالعطاء والكرم